Thursday, May 17, 2007

من هو ساركوزي الذي لا يقاوم؟



حاضر على كل الجبهات ويعمل أكثر من 15 ساعة في اليوم


هاشم صالح

يتمتع نيكولا ساركوزي، ابن المهاجر الهنغاري والأم الفرنسية بشخصية قوية، وذكاء حاد، وقدرة على الإقناع قل نظيرها، كما ترى الكاتبة. فهو عندما يخاطبك يتحدث بلغة منطقية وفصاحة لسانية يصعب عليك أن تقاومها. ومن هنا سر قوته وجاذبيته ونجاحه في معترك السياسة. وكان ساركوزي قد أمضى عدة اعوام على رأس وزارة الداخلية الفرنسية. ويحق له بالتالي أن يفتخر بنفسه وإنجازاته بعد أن أصبح أشهر وزير في حكومة جاك شيراك، وبعد أن حقق نجاحات لا تنكر في إعادة هيبة الدولة والمحافظة على الأمن ومحاربة الجنح والجرائم.

فالقرارات التي اتخذها خلال الاعوام المنصرمة أخذت تعطي ثمارها. وأخذ الفرنسيون يشعرون بالأمان والاطمئنان بعد أن فلتت الأمور الأمنية في عهد الحكومة الاشتراكية السابقة. لقد أصبحوا يشعرون أن بإمكانهم الاعتماد على وزير الداخلية الجديد. فهو قادر وكفؤ ويعرف كيف يواجه أصعب المشكلات. إنه يحميهم من المجرمين و"الزعران" الذين كانوا يثيرون الرعب في الشوارع أو في الضواحي المهمشة، في الليل أو في النهار.

وهذا كل ما يطلبه المواطن الفرنسي الأناني البورجوازي المتقوقع على امتيازاته من وزير الداخلية. فهو يريد أن يستمتع بحياته وأملاكه وأرزاقه دون أن يعتدي عليه أحد. وهذا أمر طبيعي. وبالتالي فالجميع يشعرون بأنهم مدينون لهذا الوزير الشاب، الديناميكي، الذي يحارب الأشرار والمجرمين على كافة الجبهات والمستويات. وقد نجح ساركوزي في تحقيق ما عجزت الحكومة الاشتراكية عن تحقيقه طيلة سنوات ألا وهو: القبض على أكبر مجرم كورسيكي في تاريخ فرنسا. وهو الشخص المتهم باغتيال حاكم جزيرة كورسيكا. وقد شكل ذلك سابقة في البلاد. هذا المجرم الشهير يدعى "إيفان كولونا" الذي قتل المحافظ "كلود إيرينياك" بتاريخ 23 مايو/ أيار/ 1999.

ثم نجح نيكولا ساركوزي في تنظيم الجالية الاسلامية المقيمة في فرنسا. ومعلوم أن الاسلام أصبح الدين الثاني في البلاد بعد المسيحية، في مذهبها الكاثوليكي. لقد أصبح المسلمون أكثر عددا من اليهود والبروتستانتيين بما لايقاس. ولكن ليس لهم هيئة رسمية تمثلهم لدى الدولة كما هو الحال بالنسبة للأديان والمذاهب الأخرى. وقد فشل وزراء الداخلية السابقون في حل هذه المعضلة على الرغم من كل محاولاتهم. وحده ساركوزي بجرأته وشجاعته وإقدامه استطاع أن يحقق هذا الهدف. وهكذا جمع كبار ممثلي المسلمين ومعظمهم من المغاربة والجزائريين والتونسيين وفرض عليهم تشكيل المجلس الفرنسي للشريعة الاسلامية. وقد نجح اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية المقرب من الإخوان المسلمين في تحقيق نتائج كبيرة في الانتخابات التي جرت لهذا الغرض. ونجح ساركوزي في ذلك بسبب قوة شخصيته وحزمه. بل وصفق له الإخوان المسلمون أنفسهم !وكان ذلك عندما نظموا مؤتمرهم السنوي ودعوه إليه كضيف شرف. وقد ألقى فيهم خطابا قويا. ولكنه تعرض في أثنائه لمسألة الحجاب بشكل غير مباشر فأثار صيحات العداء ضده داخل الصالة الكبرى من قبل فئة المتشددين. ومع ذلك فلم يتراجع عن كلامه ولم يجبن أمامهم وإنما نظر إليهم عينا بعين وقال: إنكم لا تخيفونني !

ينبغي العلم بأن الديغوليين لهم رصيد كبير لدى الدول العربية، وذلك على عكس الاشتراكيين. وهذه مسألة ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار. وربما لعبت دورا في نجاح ساركوزي في تنظيم الجالية الإسلامية الشديدة التشتت والتشعب في الآراء والاتجاهات. وتضيف المؤلفة قائلة بما معناه: إن العرب ميالون إلى الديغوليين تاريخيا ولا يثقون إلا بهم. فهم يحترمون الجنرال ديغول وله هيبة كبيرة عندهم. ولكن ساركوزي اساء الى سمعته العربية كثيرا بسبب موقفه المعادي للمهاجرين والضواحي الفقيرة.

بعد أن نجح شيراك في الانتخابات الرئاسية الماضية توقع البعض أن يعين ساركوزي رئيسا للوزراء. وظل المعني نفسه يحلم بالمنصب لعدة أسابيع. ولكن شيراك الذي يريد الجمع بين حزب الوسط والحزب الديغولي ودمجهما معا في حزب واحد كبير ما كان يستطيع أن يعين شخصية ديغولية كرئيس للوزراء. كان مضطرا لتعيين شخصية من حزب الوسط. وقد وقع اختياره على جان بيير رافاران، تلميذ جيسكار ديستان سابقا. وهكذا أرضى جميع أجنحة اليمين.

والواقع أن طموحه في وزارة الداخلية كان ضخما. فهو كان يريد أن ينجح حيث فشل سابقوه. ولكي ينجح فإنه ينبغي أن يحل بسرعة وبشكل متزامن عدة قضايا صعبة: كقضية انعدام الأمن، وقضية العمال المهاجرين، وقضية جزيرة كورسيكا التي تطالب باستقلالها أو بوضع خاص لها داخل الجمهورية الفرنسية، وقضية تمثيل الدين الإسلامي في فرنسا. وكنا قد تحدثنا عنها آنفا. وفي ذات الوقت كان ساركوزي يريد أن يقيم علاقة جديدة مع جاك شيراك بعد كل ما حصل بينهما من خلافات سابقا. ومعلوم أن ساركوزي انضم إلى معسكر "إدوار بالادور" أثناء الانتخابات الرئاسية لعام 1995 وذلك ضد شيراك منافس "بالادور". ويبدو أن شيراك لم يغفر له تلك "الخيانة" لفترة طويلة. ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع أن يستغني عنه لأنه أحد قادة الحزب الديغولي الأكثر نشاطا وذكاء وألمعية.

لقد نجح ساركوزي في تحقيق هدفه الأساسي: إشعار الفرنسيين بالأمان والاطمئنان وتخفيض نسبة الجرائم والجنح والمشاكل في المجتمع الفرنسي. وهذا ما عجز عنه وزير الداخلية الاشتراكي السابق "دنييل فايان".

ثم حقق نجاحا باهرا عندما هزم جان ماري لوبن في مناظرة تلفزيونية شهيرة. ومعلوم أن جميع قادة فرنسا يخشون زعيم اليمين المتطرف بسبب قوة شخصيته وحضوره التلفزيوني الذي لا يضاهى. ولكن ساركوزي ببراعته وذكائه استطاع أن يقنع جميع المشاهدين الفرنسيين بأن "لوبن" قد شاخ وخرف ! وكان ذلك في برنامج تلفزيوني شهير على القناة الثانية، اسمه" 100 دقيقة من أجل الإقناع"، ويديره أحد الصحفيين اللامعين وهو أوليفييه مازرول.

وقد شاهد البرنامج حوالي الستة ملايين شخص !وهذا رقم مرتفع في فرنسا، وبخاصة بالنسبة لبرنامج سياسي. لقد حقق فيه ساركوزي نجاحا باهرا وأقنع الجميع بأنه وزير يفعل ما يقول ويقول ما يفعل وأنه قادر على أن يسيطر على الوضع. باختصار فإن نيكولا ساركوزي حاضر على كل الجبهات. وهو يشتغل أكثر من 15 ساعة في اليوم. والبعض يقول أنه لن يستطيع المحافظة على هذا الإيقاع إلى ما لا نهاية. فصحته سوف تتأثر حتما، وربما مرض من كثرة الشغل.

نقول ذلك ونحن نعلم أنه يعاني من صداع مزمن في الرأس. ولكن ساركوزي لايتوقف عن النشاط والحركة إلى درجة أنه يتعب كل مساعديه وكبار الموظفين في وزارة الداخلية.

ثم هناك بدعة جديدة اخترعها ساركوزي ولم تكن معروفة سابقا ألا وهي: إشراك زوجته "سيسيليا" في الحكم ! فهي مستشارته الشخصية، ومساعدته العملية، ولها منصب رسمي أو شبه رسمي في وزارة الداخلية الفرنسية.

وقد خصص لها التلفزيون برنامجا يبلغ الساعة تقريبا لرصد كل حركاتها ونشاطاتها إلى جانب زوجها. وبدت ذات شخصية قوية وقدرات سياسية واضحة.

بين الأب.. والأم

> البعض يتهمه بأنه منتخب الأغنياء. أليس هو عمدة بلدية "نويي" أرقى حي في باريس؟ وهي قريبة من الشانزيلزيه.ولكنه لا يأبه لهذه الانتقادات. فهو أيضا ابن مهاجر هنغاري وصل إلى فرنسا وليس في جيبه فرنك واحد، بل ولم يكن يعرف اللغة الفرنسية. ولكن والده ترك أمه بعد بضع سنوا من العيش المشترك وبعد أن أنجبت له ثلاثة أولاد ذكور. ونيكولا هو الثاني من حيث الترتيب. أما أخوه الأكبر "غيوم" فهو نائب رئيس اتحاد أرباب العمل في فرنسا: أي اتحاد الرأسماليين الكبار. وهو منصب كبير يحسد عليه. واما أخوه الاصغر فهو طبيب مشهور. ويبدو أن نيكولا ساركوزي متعلق بأمه الفرنسية أكثر من تعلقه بأبيه الهنغاري الذي لم يتجنس بالجنسية الفرنسية الا مؤخرا.. فهو لا يستطيع أن ينام بدون أن يهتف إلى أمه الغالية. اما والده فقد ترك البيت مبكرا وهم أطفال صغار وتزوج من امرأة أخرى، ثم طلق، وتزوج للمرة الثالثة، ثم طلق، وله اولاد من نساء أخريات. إنه مزواج مطلاق يحب النساء على مايبدو. ولكن علاقة إبنه به ليست منقطعة على الرغم من كل ما حصل، وعلى الرغم من أنه تركهم لكي تربيهم أمهم وحدها. ولكنه عانى جدا من غياب الاب في طفولته. ويقال بأنه لم يغفر له ذلك لاحقا الا بصعوبة كبيرة. فجراحات الطفولة لا تندمل بسهولة. فهل اعتذر له أبوه مؤخرا؟ وما هو موقفه وهو يرى ابنه وقد اصبح الان رئيسا لجمهورية فرنسا؟ انه حلم يتجاوز الخيال.

عن المؤلفة

> مؤلفة هذا الكتاب هي أنيتا هوسير، الصحفية الفرنسية المعروفة. اشتغلت في البداية كمحررة في صحيفة «الألزاس» قبل أن تتعاون لمدة عشر سنوات مع «إذاعة فرنسا»، ثم مع القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي. وهي الآن مسؤولة عن القسم السياسي في إحدى الفضائيات الفرنسية المعروفة (LCI) أي قناة الأخبار المستمرة التي تشبه الـ «سي-أن-أن» عند الأمريكان.

وظلت هوسير تلاحق أخبار نيكولا ساركوزي على مدى عشرين عاما ! وهذا يعني أنها تعرف عنه كل شاردة وواردة. وقد حاولت في هذا الكتاب أن تقدم عنه صورة متكاملة، أصله وفصله، ودراساته، ومعاركه السياسية التي خاضها قبل أن يصل إلى هذا المنصب الرفيع الذي وصل إليه أخيراً (كتب الكتاب قبل انتخابه رئيساً للجمهورية)

1 Comments:

Blogger Nostor Azzuro said...

مدونة ذات هدف وابداع من نوع جديد
ومجهود يحمد فيشكر
neo

6:28 AM  

Post a Comment

<< Home