Friday, March 03, 2006

سيرة حياة بطرس الأكبر



سيرة حياة بطرس الأكبر
تأليف :لندسي هيوز



مؤلفة هذا الكتاب هي السيدة لندسي هيوز استاذة التاريخ الروسي في معهد الدراسات السلافية والشرقية الاوروبية التابع لجامعة لندن. وكانت قد نشرت سابقاً كتاباً بعنوان «روسيا في عصر بطرس الاكبر» وقد اصبح كلاسيكياً الان. وهو من مطبوعات جامعة ييل.


وفي هذا الكتاب الجديد تقدم الباحثة المذكورة السيرة النهائية لمباني روسيا الحديثة وهي تلقي اضواء مشعة على شخصية بطرس الاكبر وعصره وظروفه وانجازاته في آن معاً. ينقسم الكتاب الى اثنى عشر فصلاً مع مقدمة وخاتمة.


الفصل الاول مكرس للحديث عن ولادة القيصر بطرس الاكبر ونشأته بين عامي 1642- 1689. وهنا نلاحظ ان المؤلفة تستفيض في الحدث عن طفولته واحوال روسيا عام 1672. ثم تنتقل بعدئذ للتحدث عن شخصيته بعد ان كبر واستلم مقاليد روسيا. وعلى مدار الفصول التالية تتحدث المؤلفة عن حربه مع السويد بين عامي 1700 ـ 1708


وعن المكانة التي احتلها في اوروبا وعن انجازاته العمرانية والثقافية والحضارية، الخ.وتقول الباحثة بأن بطرس الاكبر كان عرضة للمديح او الانتقاذ وبعد موته كبقية الشخصيات الكبيرة في التاريخ. فالبعض كان يذمه ويعتبره عدواً للدين، والبعض الآخر كان يرى فيه باني روسيا الحديثة.


ومن المعلوم ان الامبراطورة الشهيرة كاترين الثانية صديقة ديدرو وفولتير وبقية فلاسفة التنوير كانت معجبة بسلفها الراحل وكثيراً ما كانت تذكره وتحاول الانتساب الى امجاده. وفي القرن التاسع عشر راح المحافظون الروس يلومونه لانه قسم روسيا الى قسمين: قسم النبلاء المتأوربين او المستغربين، وقسم الشعب الجاهل والفقير والخاضع للطقوس الدينية الارثوذكسية.


ولكن عندما اصبحت روسيا في خطر عام 1812 اثناء غزو نابليون لها، وكذلك عام 1941 اثناء غزو هتلر، راح الروس يتذكرونه ويستمدون الحماسة من وطنيته وبطولته.


وعندما اندلعت الثورة البلشفية عام 1917 راحت الدعاية الرسمية تشوه سمعته في المرحلة الاولى وتتحدث عن قسوته واستبداده وقمعه لشعبه.


ولكن شيئاً فشيئاً راحت الصورة تتغير لكي تصبح اكثر موضوعية وواقعية.


وعندئذ اخذوا يتحدثون عن محاسنه ومساوئه في ذات الوقت وعن الطابع الايجابي لانجازاته.


وبعد الحرب العالمية الثانية اصبحت شخصية بطرس الاكبر احدى اهم الشخضيات في التاريخ الروسي. والواقع انه اثر على تاريخ بلاده اكثر من اي قيصر آخر منذ اخرج روسيا من القرون الوسطى وادخلها في العصور الحديثة وحقق لها مكانة بين الامم الاوروبية.


على المستوى الشخصي كان القيصر بطرس الاكبر طويلاً جداً بل ويصل طوله الى حوالي المترين. وكان قوياً جداً من الناحية الجسدية. وكان بذيء اللسان على ما يبدو وكثير الجلبة والحركة. ولكنه كان يتمتع بارادة كبيرة لخدمة الدولة وتحقيق الانجازات العديدة.


وقد خاض بطرس الاكبر حروباً عديدة كانت اهمها حرب مع السويد التي دامت حوالي العشرين سنة «1700-1721» وقد خرج منها منتصراً واصبحت بلاده اهم قوة اوروبية في الشرق. بل وبدءاً من عهده ابتدأت روسيا تصبح قوة عظمى بالاضافة الى الامبراطورية العثمانية، وفرنسا، وانجلترا، وبروسيا، والنمسا...


وقد زار بطرس الاكبر اوروبا في بداية عهده عندما كان لا يزال شخصاً مغموراً.


وكان يقول بانه جاء الى هانوفي، وامستردام ولندن وبراغ وفيينا وباريس، لكي يرى ويتعلم من الحضارة. وكان ذلك بين عامي 1697-1698. ولكنه بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ ظهر على العالم بصفته احد كبار الاباطرة. ثم اسس مدينة باسمه تدعى سان بطرسبورغ لكي تصبح عاصمته.


ومعلوم ان الشيوعيين غيروا اسمها فاصبح لينينغراد. ولكن بعد سقوط الشيوعية عادت الى اسمها الحقيقي من جديد.


كان بطرس الاكبر يقول: لا معنى لاي امبراطور ان لم يكن يمتلك جيشاً ارضياً واسطولاً بحرياً. والواقع ان تجربته مع السويد اثبتت له صحة ذلك. فقد هزمته اثناء المعارك الاولى بسبب ضعف الاسطول الروسي آنذاك.


ولهذا السبب لجأ الى تقويته وادخال الصناعة الى البلاد. وبعدئذ استطاع ان يحقق الانتصار. والواقع انه قام بجملة من الاصلاحات. فالطرقات كانت معدومة وسيئة في روسيا. ولذلك امر بشق الطرقات وتحسينها والمصانع كانت معدومة ايضاً فأمر بانشائها من اجل تلبية الحاجيات المدنية والعسكرية ولم يكن يتردد في جلب المهندسين والخبراء من اوروبا ودفع الاموال الباهظة لهم لكي يقدموا خبرتهم وخدمتهم الى روسيا. وهذا ما فعله محمد علي بعد قرن من ذلك التاريخ في مصر.


كما ادخل بعض الاصلاحات على الكنيسة الارثوذكسية ذاتها. وكان يتهم رجال الدين بالكسل والبطالة. ولذلك وضع على رأس الكنيسة شخصاً علمانياً مقرباً منه. وكان ينقل اليه كل ما يقوله كبار رجال الدين عن الملك.


ثم قضى على استقلالية الكنيسة واجبر جميع اعضاء المجمع الكنسي على ان يقسموا اليمين امامه.. وكان منزعجاً من غنى طبقة رجال الدين ولذلك دعاهم الى تقليص نفقاتهم.


ثم راح بطرس الاكبر يصلح نظام التعليم لكي يخرج روسيا من جهلها الكبير بالقياس الى الامم الاوروبية المتحضرة كالمانيا «بروسيا»، او فرنسا، او انجلتر...


ولكي يسرع من العملية فانه راح يرسل البعثات الى الخارج. وكانت كل بعثة علمية تشمل «150» طالبا روسيا. والبعض كان يذهب الى مصانع هولندا وجامعاتها، والبعض الآخر الى مصانع انجلترا وجامعاتها، والبعض الآخر الى برلين لتعلم اللغة الالمانية، والبعض الآخر الى مشارف آسيا والشرق الاوسط من اجل تعلم العربية.


واما ايطاليا وفرنسا فقد استقبلتا طلاب البحرية وفن العمارة. ثم بعد عودة البعثات من الخارج كان اعضاؤها ينجزون مخططات القيصر ويخدمون الدولة بصفتهم عسكريين، ومهندسين علميين، او صناعيين، او مهندسي عمارة وبناء، الخ،


وكان القيصر يحلم قائلاً: في يوم من الايام سوف استغني كلياً عن الخبراء الاجانب بعد ان يتعلم ابناء شعبي كل العلوم والصناعات والحرف..


فالواقع انه كان دائماً يوظف الاجانب فيما يخص بعض المجالات الدقيقة والصعبة التي تخص صناعة الاسلحة مثلاً، او بناء المشاريع الضخمة.


ولكي يسرع حركة الافكار ويخرج روسيا من جهلها المزمن فان بطرس الاكبر امر بترجمة الف كتاب علمي، وتكنولوجي، وتاريخي والغريب والعجيب هو انه اعطى نصائحة في الترجمة الى رئيس المشروع قائلاً: لا ينبغي ان تترجموا النص حرفياً اي كلمة، كلمة، وانما ينبغي ان تترجموا فحواه بشكل يصبح مفهوماً في لغتنا بل وكأنه مكتوب بها مباشرة. وهذه هي اكبر نصيحة يمكن ان تقدم لمترجمه. وكل من مارس عملية الترجمة يعرف ان الترجمة الحرفية ضارة ولا تفيد في شيء.


وبالتالي فالترجمة بتصرف، اي ترجمة المعنى لا الحرف، هي الاساس.


ثم قام بطرس الاكبر باصلاحات اخرى عندما فتح مستشفى عسكرياً في موسكو واضاف اليه مدرسة للجراحة واشياء اخرى. ثم فتح الصيدليات في كل المدن الكبرى في البلاد. واول جريدة روسية ظهرت في عهده، وكذلك اول مسرح.


ثم فرض على الرجال حلق لحاهم ولبس الزي الغربي كما سيفعل مصطفى كمال اتاتورك بعده بمئتي سنة تقريباً! باختصار فانه راح يقلد اوروبا في كل شيء لكي يلحق بركب الحضارة.


فقد كان يحلم بتحويل بلاده الى جنة تشبه باريس التي رآها بأم عينيه او تشبه امستردام، وبرلين، ولندن، وبقية العواصم الاوروبية.


ثم تقول المؤلفة بما معناه: بالاضافة الى ضخامته الجسدية وشهيته التي لا تشبع وشهواته كان بطرس الاكبر معروفاً بتعطشه الى المعرفة وقدرته الرهيبة على العمل.


وبعدئذ عرفت اوروبا انه ظهرت على مسرح التاريخ قوة عسكرية عظمى يحسب لها الحساب.


وبالنسبة للشئون الدينية كان بطرس الاكبر انساناً ينتمي الى القرن الثامن عشر اكثر مما كان ينتمي الى القرن السابع عشر. لقد كان عقلانياً اكثر مما كان صوفياً. وكان مهتماً بتطوير التجارة والازدهار الوطني لروسيا اكثر مما كان مهتماً بالعقيدة الدينية او شئون الكنيسة الارثوذكسية.


وبالتالي فقد كان تنويرياً قبل التنوير. ولكن هذا لا يعني انه كان معمداً! فالواقع انه كان يؤمن بالله ويرى ارادته في كل شيء. ولكنه لم يخض اي حرب باسم الدنيا او دفاعاً عن المسيحية الارثوذكسية كما كان الاباطرة يفعلون في القرون الوسطى.


هذه هي حالة روسيا في بدايات القرن الثامن عشر عندما استلم مقادير أمورها بطرس الاكبر ولذلك فبعد عودته من رحلته الى اوروبا قرر ان يغير الوضع من بدايته الى نهايته.


وطيلة حياته كلها عمل جاهداً لكي تصبح روسيا اكثر غنى وازدهاراً وقوة ومنعة ولذلك فإن الناس لا يزالون يتذكرونه حتى الآن وحتى قادة روسيا يعرفون بأنه كان النموذج الذي ينبغي احتذاؤه والبعض يقارن الآن بين فلاديمير بوتين وبينه فبوتين يريد ايضاً ان يلتحق بالغرب، ان يجعل روسيا في مستوى بلدان اوروبا واميركا ولكن روسيا حتى الآن تبدو عاجزة عن ذلك.


والواقع ان بطرس الاكبر كان يطمح الى رفع مستوى حياة الشعب الروسي لكي تصبح في مستوى حياة الشعب الهولندي او الانجليزي، او الفرنسي، مثلما يطمح بوتين الى ذلك حالياً.


ولا يزال هذا الحلم يلاحق قادة روسيا حتى بعد مئتي سنة او ثلاثمئة سنة من ظهوره والشيء الغريب هو ان اليابان نجحت في تحقيق ذلك في فترة زمنية قصيرة نسبياً ولكن ليس روسيا، على الأقل حتى الآن.


والواقع ان الخطط الصناعية لبطرس الاكبر كانت تهدف الى زيادة ثروات البلاد فقد رأى بأم عينيه ان جباة الضرائب يمصون دم الشعب الفقير وانه لا يمكنه ان يثقل كاهل الشعب بضرائب اخرى جديدة وبالتالي فلم يعد امامه من سبيل للحصول على المال الا الصناعة.


ولكن بعض مصانعه نجحت والبعض الآخر فشل ولم يكن من السهل عليه ان يلحق بأوروبا الغربية التي سبقت روسيا الى التصنيع والتقدم بفترة طويلة ولا تزال هذه المشكلة تلاحق القادة الروس حتى الآن.


فروسيا من اغنى بلدان العالم بالموارد الطبيعية كما انها تحتوي على الغاز والبترول بكميات كبيرة وعلى الرغم من ذلك فهي بلد فقير قياساً الى اوروبا او اميركا فما هو السبب يا ترى؟ البعض يقول ان الفترة الشيوعية التي استمرت سبعين عاماً دمرت اقتصاد البلاد.


والواقع ان تأميم كل وسائل الانتاج واتباع سياسة الاقتصاد الموجه لا يشجع الناس على العمل او الاستثمار او الانتاج، ولهذا السبب فإن روسيا بعد سقوط الشيوعية عادت الى النظام الليبرالي الرأسمالي فهل ستنجح يا ترى بعد ان تخلت عن الاشتراكية والشيوعية؟


هل سيتحقق حلم بطرس الاكبر في ان تصبح روسيا دولة حديثة بالكامل كانجلترا وهولندا وألمانيا وفرنسا؟


هذا هو السؤال، فالواقع ان روسيا استطاعت في عهد الاتحاد السوفييتي ان تصبح قوة عسكرية من الدرجة الأولى ولكنها لم تستطع ان تلحق بالغرب من الناحية الاقتصادية والحضارية وهنا تكمن ازمتها.


الكتاب: بطرس الاكبر


سيرة حياته


الناشر: مطبوعات جامعة بيل 2004


الصفحات: 285 صفحة من القطع الكبير



Peter The Great A Biography




Lindsy Hughes




Yale University Press 2004









P. 285

1 Comments:

Blogger 3ateeja said...

الفال لنا ان شا الله نستغنى عن الخبراء الاجانب :)

8:15 PM  

Post a Comment

<< Home