Friday, March 03, 2006

كارل بوبر - فيلسوف



كارل بوبر
تأليف :هاكوهين ملاشي هايم



مؤلف هذا الكتاب هو الباحث هاكوهين ملاشي هايم احد المختصين بفلسفة العلوم او ما يدعى في اللغات الاوروبية بالابستمولوجيا وهو هنا يتحدث عن احد كبار فلاسفة العلم في القرن العشرين كارل بوبر ومعلوم ان هذا المفكر ولد في فيينا عام 1902 ومات في لندن عام 1994 عن عمر مديد وقد شغل القرن العشرين كله بأبحاثه واكتشافاته.


وكان قد درس في بداية شبابه بجامعة فيينا حيث حصل العلم في مجال الفلسفة والفيزياء وحتى الموسيقى وفي الوقت ذاته كان يشتغل كنجار أو كعامل اجتماعي لكسب رزقه وتكميل تعليمه ثم نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1928 ودرس في نيوزيلاندا من عام 1937 الى عام 1945،


وبعدئذ اصبح استاذاً في جامعة لندن حيث درس علم المنطق ومنهجية العلوم في عام 1945 الى عام 1969. وفي الوقت ذاته كان يعطي سلسلة محاضرات عامة في كبريات الجامعات الاميركية، وفي سيرته الذاتية يقول كارل بوبر بأنه عاش حياة سعيدة على المستوى الشخصي والعائلي، وحياة غنية ومتوازنة على المستوى المهني او الوظيفي، ولكنه كان دائماً يخشى من التهديدات السياسية، فقد عاش في عصر مضطرب شهد حربين عالميتين بالاضافة الى الفاشية والنازية والشيوعية.


والعارفون بالامر يعتبرونه اكبر فيلسوف للعلم في القرن العشرين ويرون فيه ايضاً فيلسوفاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً، وقد عارض بشدة الاتجاهات الارتيابية والنسبوية والتقليدية في مجال العلم والاخلاق، كما انه انتقد الايديولوجيات الاستبدادية التوتاليتارية، ودافع عما يدعوه بالمجتمع المفتوح او المنفتح.


في اثناء دراساته الجامعية الاولى اعلن بوبر عن ماركسيته لفترة قصيرة من الزمن وقد غير رأيه بعدئذ بسبب اكتشافه للطابع التلقيني او العقائدي للشيوعية التي تقولب الاذهان قولبة. ولكنه احتفظ من الماركسية بالفكرة الاساسية ألا وهي: الاهمية التي توليها للمعطيات الاقتصادية، ولصراع الطبقات ولاهتمامها بالتاريخ، وعندما غزا هتلر النمسا وضمها الى المانيا فكر كارل بوبر بالهجرة والرحيل بسبب اصوله اليهودية.


ولهذا السبب فإنه دافع عن النظام الليبرالي الديمقراطي ضد كل انواع الانظمة الشمولية سواء أكانت شيوعية، ام فاشية، ام نازية، وراح بوبر يقول بأن دراسة الماركسية للتاريخ ليست علمية على عكس ما تتوهم. فتنبؤات ماركس بالمستقبل لم تتحقق، ونظريته المزعومة بأنها علمية تدهورت وانحطت وتحولت الى نظرية علمية مزيفة وحتى التحليل النفسي الذي اخترعه فرويد لم يحظ برضا بوبر فقد اعتبره نظرية لا علمية مثله في ذلك مثل الماركسية.


كان اول كتاب نشره بوبر يحمل العنوان التالي: منطق الاكتشاف العلمي، وقد ألفه باللغة الالمانية التي هي لغته الاصلية، وعنوانه في هذه اللغة يختلف عن الترجمة الفرنسية فهو محدد على النحو التالي: منطق البحث، وفيه يبلور نظريته المشهورة التي تقول بما معناه: لكي تكون نظرية ما علمية حقاً ينبغي ان تكون قابلة للنقض أو الدحض!


وهي نظرية تبدو تناقضية للوهلة الاولى، ولكنها ليست كذلك في الواقع، فالنظريات العمومية، أو غير الدقيقة، هي وحدها التي لا يمكن دحضها لانها غير قائمة على براهين ملموسة. ان نظرية نيوتن التي ظلت علمية لمدة قرنين من الزمن والتي جاءت نظرية اينشتاين لكي تنقضها هي اكبر دليل على ذلك.


فنظرية نيوتن قدمت شرحاً متماسكاً للكون، واكتشفت قوانينه العلمية.


ولكن فيما بعد جاء عبقري آخر واكتشف نظرية اخرى حلت محلها دون ان تلغيها تماماً، وربما جاء احدهم فيما بعد ونقض نظرية اينشتاين او اكتشف بعض ثغراتها ونواقصها وقدم تفسيراً آخر اكثر دقة عن العالم وهكذا دواليك، فلا العلم ينتهي ولا النظريات تتوقف.


وبالتالي فقابلية نظرية ما لان تدحض ليس دليلاً على خطئها بحسب منظور بوبر وانما على صحتها وسلامتها وعافيتها، واما اذا ما فرضت نفسها وكأنها صحيحة بشكل مطلق، أو الى ابد الآبدين فإن ذلك يعني انها غير صلبة وغير صميمة وانما هي عبارة عن ايديولوجيات طوباوية لا علاقة لها بالعلم إلا قليلاً.


هذه هي النظرية الابتسمولوجية التي اشتهر بها كارل بوبر، ولكن الشيء الذي ازعج فلاسفة فرنسا ليس هذه النظرية بالضبط وانما الهجوم العنيف الذي شنه بوبر على هيغل وماركس واوغست كونت ومعظم فلاسفة التاريخ. فهؤلاء كانوا يعتقدون بأن التاريخ يسير طبقاً لقوانين معينة، وانما يكفي ان نكتشفها لكي نستطيع التنبؤ بحركته ومستقبل الايام.


وعلى هذا النحو كان اوغست كونت يعتقد بأن البشرية تمر بثلاث مراحل تطورية متتالية: المرحلة الاسطورية او الغيبية، فالمرحلة الميتافيزيقية فالمرحلة الوضعية او العلمية وهي اعلى المراحل وارقاها واما ماركس فكان يعتقد بأن الرأسمالية بعد ان تبلغ ذروتها في التطور والاستغلال سوف تنحدر وتنمط لكي تحل محلها ديكتاتورية البروليتاريا، وهكذا تنتصر القوى العادلة والحقيقية للتاريخ على قوى الاستغلال والظلم.


واما هيغل فكان يعتقد ايضاً بأن التاريخ سائر نحو انتصار العقل والمعرفة المطلقة لا محالة، وضمن هؤلاء جميعاً جاء كارل بوبر لكي يقول بأنه يستحيل علينا التنبؤ بقوانين التاريخ أو بمستقبله مسبقاً لسبب بسيط هو انه مفتوح على كافة الاحتمالات، وبالتالي فلا يمكن سجنه أو اغلاقه في احتمال واحد، وكم تنبأ بعضهم بمستقبل التاريخ فاذا بالتاريخ يمشي في اتجاه آخر ويكذب نبوءته ولكن ألا يبالغ كارل بوبر في احتقاره لفلسفة هيغل وكبار فلاسفة التاريخ؟


ألم يستطع هيغل ان يتنبأ ببعض الاحداث الاساسية، أو بالاتجاه العام لحركة التاريخ؟ ألم تصدق نبوءته في خطوطها العريضة؟ وما معنى الفيلسوف الكبير ان لم يكن قادراً على رؤية ما لا يراه الآخرون في عصره، في الواقع ان ميزة الفيلسوف على الانسان العادي هي انه يستطيع ان يستبق حركة التاريخ، يستطيع ان يرى البعد البعيد بفضل الحس الداخلي الذي يمتلكه او الحدس الرؤيوي الشفاف،


وهذا ما لايفهمه بوبر او يرفض ان يأخذه بعين الاعتبار وبالتالي فعلى الرغم من اهمية افكاره واطروحاته إلا انه ظلم هيغل كثيراً، وربما ماركس ايضاً وأوغست كونت.


الكتاب: كارل بوبر


الناشر: مطبوعات جامعة كمبردج 2003


الصفحات: 624 صفحة من القطع المتوسط



karl popper




Hacohen malachi haim




Cambridge university press 2003




p. 624

0 Comments:

Post a Comment

<< Home