Friday, March 03, 2006

لولا - من ماسح أحذية إلى رئاسة البرازيل


لولا "عاشق" الحجاب الإسلامي: من ماسح أحذية إلى رئيس جمهورية


بائع الليمون

"خنصر" التغيير

كفاح ضد الظلم والقهر

الرئيس "لولا"والعرب




الصادق العثماني

سنقف مع سيرة رجل يمكن اعتباره ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي للبرازيل بل وأمريكا اللاتينية والعالم, بدأ حياته كبائع خضار, ومن ثم ماسح أحذية, وبعده حاجب في مكتب, ومن ثم عامل متخصص في التعدين, من مواليد سنة 1945في قرية صغيرة تدعى"فارجيم كومبريدا"والمعروفة حاليا كايتس وهي أحدى المقاطعات بولاية "برانبوكو"التى تبعد عن مدية الرسيف عاصمة الولاية في الشمال الشرقي بحوالي 252كيلو مترا.

نجا من بؤس هذه المنطقة المعروفة آنذاك بفقرها وجفافها ..هاجر العديد من سكانها إلى المدن الساحلية الكبرى مشكلين حولها أحزمة البؤس والفقروالحرمان, التى تسمى في البرازيل "الفافيلا"..في هذه المنطقة المنكوبة ولد طفل اسمه"لويس ايناسيولولاداسيلفا"، وهو الابن السابع لعائلة تتألف من خمسة ذكوروثلاث أناث.

ضاقت على هذه الأسرة الأرض بمارحبت..شعروالده بضيق العيش والحياة, وتقطعت في وجهه الأسباب, وتاه في صحراءالخيال والوهم المحيطة بقليل من الأمل والحب والتفاؤل..من خلال هذه الومضات قررسنة1945الهجرة الى مدينة ساوباولو,القوة الاقتصادية في البلاد محاولارفع شر البؤس ونحره الى الأبد,تاركا وراءه في الشمال الشرقي زوجته الحامل برئيس جمهورية البرازيل الحالية"لولا"دون ان يتشرف بحضورولادته.

وعند وصوله الى ساوباولوعمل حمالا ينقل أكياس البن..يقول لولافي هذاالصدد:(أنا لاأذكرصورةأبي في بلدتنا لأنه عندما ولدت لم يكن موجودا,وحينما عاد إلى"برانبوكو"كان عمري يناهزالخمس سنوات) وفي سنة1952هاجرلولامع أمه وأسرته الى ساوباولومقرعمل والده, وتمت الرحلة على متن شاحنة أشبه بالعربة التقليدية واستغرقت الرحلة13يوما قطعواخلالها حوالي 2900كلم ,هذه الرحلة الشاقة والمتعبة تركت أثرها في نفوس الاسرةوخاصة لولا ابن السنوات السبع.

يقول لولا في وصف هذه الرحلة: (حين وصلنا ألى ساوباولواستأجرناسيارة أناوأمي وسبعة أولاد,وعمي وزوجته وولدهما, وقصدنا مدينة "سانتوس"حيث يعمل والدي ..وكانت المرة الاولى التي أتنقل فيها بسيارة!.




بائع الليمون

انطلقت العائلة في ساوباولوتتسابق مع مورد رزقها كمثيلاتها من الأسر الهاربة من الموت جوعا, حتى الطفل الصغير (لولا) انطلق في البحث عن الشغل في هذه المدينة..فعمل بائعا لليمون والفستق..وفي الوقت نفسه التحق بمدرسة ابتدائية حيث أنهى فيها دراسته الإبتدائية ..يقول (لولا) في مذكراته:(الشيء الأول الذي أتذكره عندما يسألني أحد عن طفولتي, هو أنه لم يكن لدي طفولة, فمن الصعب أن يتذكرولد فقير,لا بل شديد الفقرطفولته قد نتذكر الأشياء الجميلة في حياتنا,أما تلك القبيحة فننساها, وهوأمر لاينطبق على فقراء الشمال الشرقي من البرازيل فحسب ,بل على أبناء العالم قاطبة..وماأذكره هوتناولي الأرزللمرة الأولى لأنني مرضت والأرز في بيتنا من المستحيلات والنوادر..)
كما يضيف لولا قائلا:(من الذكريات الجاثمة على مخيلتي يوم قررت والدتي الإنتقال إلى ساوباولوفبعت كل مانملك ,الأرض والحمار والساعة حتى تماثيل القديسين وصور العائلة كل هذا تسديدا لنفقا ت الهجرة..) ومرت عائلة لولا بظروف صعبة وخاصة عندما انفصلت أمه عن أبيه وهذه المعاناةيجملها لولافي بضع جمل تقشعر منها الجلود ويقف شعر الرأس منتصبا وهي(أتذكرأنني كنت أذهب إلى المدرسة بسروال كل فردة منه بلون,أشده بحبال على كتفي لافتقارنا إلى قماش من لون واحد..ولم نذق في ساوباولوطعم اللحم أبدا, ومعظم الوجبات كانت من الفاصوليا..).




"خنصر" التغيير

تخطى الشاب لولا هذه المصاعب، واشتغل في أكثر من مهنة ومن مجال عمل وتدرجت طموحاته مع مستويات عمره, وعندمابلغ سن الرابعة عشرة من عمره أعجبه منظرعمال المصانع أمام منزل عائلته فسعى إلى أن يكون عاملا في أحد المعامل فتحققت له هذه الأمنية..ومن خلال عمله هذا حصل على منحة لدراسة الميكانيك .

وهنا يقول لولا:(هذه الفترة نعتبرها أفضل فترة في حياتي لأنها أمنت لي الغذاء..وأفسحت لي المجال لمتابعة دراسة الميكانيك وغيرها من المواد..)، وتابع لولاولمدة ثلاث سنوات تخصصه ودراسته في التعدين تعرض لحادث مروع أثناء عمله أدى إلى بترخنصره الأيسر, بعد أن انتظر لساعت طوال لينقله رب العمل إلى المستشفى,ولكن لاحياة لمن تنادى,وحين رآه الطبيب أمره مباشرة ببتر ماتبقى من أصبعه نظرا لخطورة الحادث.




كفاح ضد الظلم والقهر

هذه الحادثة المؤلمة دفعت لولا إلى تغيير فكره ونظرته للحياة, بحيث كان سنة 1968عاملا عاديا لايهتم بالسياسة أوبالعمل النقابي أوغيره,همه الوحيد اشباع بطنه ودعم فريقه الرياضي المحبوب"كورينتياس باوليستا" لكن بعد الحادث ومشاكل عمالية أخرى..اتجه شطرالنضال والكفاح ضد الفكرالرأسمالي والإمبريالي, وساهم مع أخيه في توزيع المنشورات ضد الحكم العسكري.

وقادعدة تظاهرات في مدينة ساوباولووغيرها من المدن, وأدخل السجن مرات ومرات, وفي سنة1973أصبح السكرتير الأول للتنظيم النقابي, ثم بعد ذلك أمينا عامالاتحاد نقابات العمال في البرازيل, وبعدها ترشح عدة مرات لرئاسة الد ولة, لكنه لم يوفق,نظرالضغوطات أمريكا عليه لأنها كانت تعتبره الإبن العاق الخارج عن أهل التقوى وأهل المغفرة..فتابع مشواره النضالي بحزم وجد, موقنابأن البقاء للأصلح والأقوى,
وفي سنة 2002 أصبح هذا الولد الفقير المشرد البائس الخارج عن طاعة بوش الإبن رئيسا لأكبرجمهورية في أمريكااللاتينية في انتخابات نزيهة وديمقراطية شهد بها العدوقبل الصديق .




الرئيس "لولا"والعرب

لقد وضع لولافي برنامجه الإنتخابي وأولى أولوياته العمل على تمتين العلاقة والصداقة مع البدان العربية رادا جميل الجاليات العربية والإسلامية من موقفهم الإيجابي من ترشيحه ...ولايتعلق الأمربأسباب ثقافية وودية فحسب,إنما أيضابأهداف اقتصادية وتجارية.

وعليه أوفى بعهده بزيارة تاريخية إلى بعض الدول العربية 12/4/2004التقى خلالهابعض رؤساءالدول العربية ومن بينهم:مبارك,القذافي, بشارالأسد, الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذه الزيارة أعطت ثماراطيبا بعقد القمة العربية – اللاتينية وهي أول قمة تجمع الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية للبحث في توثيق العلاقات بينهما, وخاصة السياسية والإقتصادية, فتحسنت صادرات البرازيل إلى الدول العربية في عهد لولابحيث بلغت 3,35ملياردولار,مسجلة ارتفاعا بنسبة41% وهذا التحسن كمافسره بعض خبراء الاقتصاد في البرازيل يعود إلى العلاقة الطيبة التي تربط لولابالعرب, الأمر الذي أقلق الوليات المتحدة الأمريكية بصعود نجم يساري على سماء أمريكا اللاتينية, ينضاف إلى نجوم أخرى وفي مقدمتهم الزعيم اليساري كاستروفي كوبا ,والإبن المشاغب في فنزويلا "هوغوشافيز"والحشاش التائب "مارادونا"الذي قاد تظاهرة عارمة في الأسبوع الماضي ضد وجود بوش في الأرجنتين..
وخلاصة القول: يعتبر (لولا) ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي والنقابي للبرازيل, لأنها المرة الأولى ينتخب الشعب رئيسا يساريا, وللمرة الأولى يصبح عامل بسيط ماسح أحذية رئيس جمهورية ,ودون أن يتنكرلكونه ابن فلاح وأمه آكلة القديد..
كذا لم يخلف وعوده الذي وعد بها العرب والمسلمين, وعلى رأسهم تعهده بأنه سيكون من أوائل مايقوم به في حال نجاحه في الإنتخابات وتسلمه السلطة إصدارقرارفوري فيمايخص المرأة المسلمة وحجابها وخاصة فيما يتعلق بالوثائق الرسمية كجوازات السفربالحجاب لمن ترغبن في ذلك وإلغاء جميع القرارات المنافية له. فأصبحت المرأة المسلمة في البرازيل تتمتع بحرية كاملة في اختيارنوعية لباسها دون حرج , في الوقت التي تمنع منه الكثيرات في بلاد العرب والمسلمين.

*الصادق العثماني: كاتب وصحفي عربي مقيم بالبرازيل

0 Comments:

Post a Comment

<< Home