Friday, March 03, 2006

أُضحك العالم لكن العالم يبكيني - علي اكبر


أُضحك العالم لكن العالم يبكيني


تأليف :علي أكبر



علي أكبر من مواليد باكستان في أسرة فقيرة وكبيرة العدد، في سن الخامسة نزل إلى الشارع كي يعمل ويأتي ببضعة دراهم إلى الأسرة. وفي اليوم الذي لم يحالفه فيه الحظ كي يعود بشيء، فإنه كان مرغماً على البقاء خارج المنزل بكل ما يحمله ذلك من خطر التعرض لمختلف أنواع العنف. كان أبوه قاسياً لا يتردد في استخدام يده، رغم كل هذه الظروف بقي ذلك الطفل حالماً وملجأه الوحيد هو القراءة. عندما بلغ علي أكبر سن الثامنة عشرة قرر أن يسافر نحو الأفق الواسع.. نحو المجهول، فصعد كخادم بإحدى السفن لتبدأ رحلة من التشرد نقلته من اليونان إلى أفغانستان مروراً بالصين قبل أن يحط رحاله في فرنسا، وتحديداً في العاصمة باريس حيث أمضى أياماً طويلة من حياته دون مأوى سوى بعض الجسور.


وأحياناً في غرف بائسة شاطره فيها أحياناً من تعرّف عليهم من «المقطوعين» مثله، وذلك حتى التقى ذات يوم بمدير مجلة «شارلي هيبدو» الذي قدّم له مأوى في أحد مخازنها وأوكل له عملاً هو «بائع صحف»، ومنذ ذلك اليوم أصبح علي أكبر بائع صحف متجولاً يجوب كل يوم عشرات الكيلومترات في شوارع باريس، وتحديداً في منطقة شارع «السان جيرمان» الشهير كي يبيع «بضاعته» بواسطة المناداة..


وهذا قبل ثلاثين سنة ليصبح أحد الشخصيات المعروفة والمألوفة من «جميع رواد مقاهي هذا الحي الشهيرة مثل «دوماغو» و«فلور» و«ليب»، والتي كانت ذات يوم ملتقى جان بول سارتر والبير كامو وسيمون دوبوفوار وجان كوكتو وكثيرين غيرهم ممن صنعوا تاريخ فرنسا الثقافي وكان لهم أثرهم على الصعيد العالمي كله.


لم يكن علي مجرد «مناد» على الصحف التي يبيعها وخصوصاً صحيفتي «لوموند» و«جورنال دو ديمانش» أي «صحيفة الأحد»، وإنما كان ذا مخيلة واسعة في ما يقوله للإعلان عن محتوى الصحيفة التي يبيعها بل كان «زبائنه» ينتظرون كل يوم «جديده».. لنسمعه ذات مرّة ينادي «لقد حُسم الأمر، قبل رافاران ان يكون سن التقاعد عند بلوغ سن الـ 35».


ورافاران المقصود هو رئيس وزراء فرنسا.. وفي كل مرّة كان يستخدم، ولا يزال، نفس «الديباجة» وهي «لقد حُسم الأمر. ثم يتبعه بما تجود به قريحته.. وهكذا أصبح معروفاً بـ «لقد حسم الأمر.. وكأن هذه الجملة قد أصبحت اسمه «ماركته». ولعله من المفيد أن يضاف هنا، وحتى تكتمل صورة علاقة علي أكبر بالحي الذي مشى فيه آلاف الكيلومترات،


هو أن العديد من أصحاب المقاهي أو صالات عرض اللوحات الفنية وبيعها ـ كلية الفنون الجميلة الفرنسية موجودة بهذا الحي ـ كانوا يدفعون له ثمن «البضاعة» في نهاية الأسبوع وأحياناً كان الحساب شهرياً.. ومن المألوف جداً أن يدفع له أحدهم ثمن نسختين وهو يقول له: «علي أنا مدين لك بثمن نسخة البارحة».


إن علي يبدأ كتابه بالحديث عن «الأيام المشرقة»، رغم انها «متعبة» في حياته بأحد أكثر أحياء العاصمة الباريسيةـ مدينة النور ـ ثقافية.. وعن الطرقات التي نسجتها الأيام بينه وبين أهل الحي.. وحيث تصل بعض المواقف إلى حد التعاطف الحقيقي مثل صاحب ذلك المطعم المغربي الذي يبادر علي بالقول عند رؤيته: «علي انني سأقدم لك طبقاً من الطعام ـ الكوس كوس ـ المغربي الذي طبخته على طريقتي» ينبغي ان تأكل وإلا فإنك سوف لن تستطيع متابعة جولتك.. ألا ترى البرد وانك بحاجة لحريرات».


يقول علي: «لقد قبلت، ليس لأنني فقير.. لكن هؤلاء أصدقاء حقيقيون». بكل الأحوال كان همه الأساسي، ولا يزال، هو ان يبيع الثمانين نسخة ليؤمن دخله اليومي. يقول: «أنا مطمئن اليوم اذ سوف ابيع الثمانين نسخة.. وأكسب 33 سنتيماً عن كل منها.. وهذا يعني إذا نجحت في ذلك، فإنني سأحصل 26 يورو و40 سنتيماً.. وكل مساء أعطي الغلة لزوجتي عزيزة.. فهي التي تسيّر أمور الميزانية».


ان النجاح الأساسي لـ «علي» يعود لمخيلته واستخدام «خفة الدم» في توجهه لزبائنه.. ألا يقال بأن الظرافة هي تعبير عن نتاج اليأس اللطيف؟. هكذا سمعوه ذات يوم يروج للصحيفة التي يبيعها بنداءات تقول: «برناديت شيراك ـ زوجة الرئيس الفرنسي ـ قبلت ان تكون رئيسة للولايات المتحدة الأميركية» أو «سركوزي ـ وزير الداخلية الفرنسي السابق ـ يعتنق الإسلام» أو «ملك المغرب سيشتري برج ايفل».. وما شابه..


عن هذا كله يقول: ورغم التعب أضحك وحدي وأنا أفكر بالعنوان الطريف الذي سوف استخدمه في الغد.. كل زبائني ينتظرونه وعلي ان لا أخيب أملهم».. ثم يضيف: «انني لا أكسب ثروة، ولكن منذ أربعين سنة كنت أمشي حافي القدمين في شوارع راولبندي المليئة بالغبار» لقد عرفت الجوع والبؤس وتلقيت الصفعات، وكنت اعتقد ان ذلك هو قدري».


راولبندي الباكستان، الرحيل، شنغهاي، أرصفة باريس، هذه هي بعض عناوين الكتاب المكرس في أغلبه لـ «الأيام غير المشرقة».. المحطة الأولى التي يعود لها هي لتاريخ 24 أبريل 1964، أي تاريخ عيد ميلاده العاشر، على الأقل كما قالوا له إذ لا يحرص الأهل في الأحياء الفقيرة في راولبندي على ان يكون تاريخ الولادة الذي يعلنونه هو يوم الولادة بالفعل، وإنما فقط يتفقون عليه.. وكفى.


يقول هذا يوم عيد ميلادي، لكن أيضاً هو عمر السروال الذي أرتديه.. انها أيضاً الفترة التي كان يعمل فيها عند «محمد أكرم» صاحب المتجر الفظ الغليظ الذي كان لا يكف عن ضربه لأنه «حالم» و«رأسه في الغيوم».. أما مع والده فإن: «الصلات الوحيدة التي عرفتها معه، كما يقول، هي العنف.. وكأنها كانت الطريقة الوحيدة كي يفرض علي سلطته».. هكذا كانت هديته بمناسبة عيد ميلاده العاشر قوله: «لقد ضربني بقوة أكثر من المرات السابقة»..


كان مصدر الحب الوحيد الذي عرفه هو والدته التي يقول عنها: «لقد شاخت أمي قبل أوانها.. وكانت حياتها سلسلة من أشكال الحرمان.. وزواج مبرمج عندما كان عمرها ستة عشرة سنة.. وحياة زوجية خالية من الحب وعدة اجهاضات وعشرة أطفال توفي اثنان منهم وهم في سن الرضاعة.. والجوع. ومن الصفحات الجميلة في هذا الكتاب تلك التي يكرسها المؤلف لراولبندي التي يقول عنها: «ان مدينتي هي بنظري مرادف للريح وللمطر»..


وعن حيه: «كان الحي الذي اسكن فيه، مثل جميع الأحياء الفقيرة في المدينة بشعاً وصاخباً وتندراً» وعن منزله: «كان منزل طفولتي يحتوي على بعض الأثاث وحصيرات القش وصندوق للثياب.. وبعض الوسادات وكانت والدتي تقوم بعملية الطبخ على الأرض في باحة المنزل حيث كان يوجد مكان لإشعال النار وأما المواد المستخدمة


فكانت روث الحيوانات المجفف» بكل الأحوال لم يكن ذلك البيت المتواضع الذي يسكنه عشرة أشخاص على الرغم من مساحته الصغيرة ملكاً للأسرة وانما لأحد الأعمام لكن كان يوجد في المدينة بعض الأحياء الغنية التي يقول عنها المؤلف: «عندما كنت أمر في تلك الأحياء كنت أحلم بأن يقوم أحد الأغنياء بتبني حيث كان يمكنني ان آكل حتى الشبع وأن اتعلم القراءة والكتابة لكن الواقع كان مختلفاً جداً،


اذ عندما كان أحد هؤلاء يوكل لي عملاً كنت اتناول طعامي على الأرض مثل كلب» ولا ينسى «علي» ان يعرّج في وصفه لمدينته على ذكر جيرانه الذين كانوا ينتمون الى منطقة البنجاب الاكثر سكاناً في البلاد الأمر الذي كان مصدر اعتزاز لهم الى درجة قولهم حتى اليوم: «الباكستان هي نحن».


وتحت عنوان «المدرسة» يتحدث علي أكبر عن «شهيته الكبيرة لتعلم القراءة والكتابة» ليشير الى انه ما بين سن الخامسة وسن الثانية عشرة عرف التعلم فيما يسميه بـ «مدرسة الفقراء» التي كان يصلها منهكاً وما ان يجلس على الحصير التي تحل محل مقاعد الدراسة، حتى ينام وبالطبع «لا يتعلم شيئاً» وعن تحصيله العلمي من دراسته يقول: «لقد انتهت مرحلة دراستي وانا في سن الثانية عشرة وكل ما تعلمته كان بعض الآيات من القرآن الكريم والصلاة التي كنت أقوم بها خمس مرات في اليوم، كنت بالكاد أعرف القراءة وكتابة اسمي والتحدث ببعض الكلمات الفصحى بلغة الأوردو، لغة بلادي».


لكن بمقدار ما كان الزمن يمر كان حلم «الذهاب الى مكان آخر» يكبر ايضاً، يقول: «كان يبدو لي ان الذهاب الى مكان آخر سيقدم لي امكانيات الانفتاح على نفسي، وان آفاق حياتي سوف تتسع».. ويقول في مكان آخر: «كنت اريد الرحيل.. كان هذا يعني بالنسبة لي الخروج من الجحيم وكنت مستعداً لتقديم جميع التنازلات،


كانت الخطوة الأولى التي حلم بها هي الذهاب الى «لاهور» حيث تعيش عمته «تسليم» وعندما بلغ السادسة عشرة كان أول شيء قام به هو التوجه الى مكتب «جوازات السفر» حيث أخذ الملف المطلوب.. يقول: «عندما وضعت جواز سفري امام والدتي بكيت من الفرح اما هي فقد بكت ايضاً من القلق الذي اعتراها بسبب فكرة ذهابي لكنها ضمتني بين ذراعيها فأثار حنانها موجة من الانفعالات في داخلي.


ثم ذات ليلة دقت ساعة الرحيل و«حسم الامر.. اذ ان باكستانياً قد وجد مكاناً في سفينة».. وبصفة «خادم» واستطاع ان يفهم «سر المهنة» خلال أيام قليلة كان فخوراً جداً بعمله الجديد كما يبدو من قوله: «عندما كنت انظر في نفسي بالمرآة كان ينبغي ان تمر لحظات قبل ان اتحقق بأن هذا الذي اراه هو انا».. بالطبع كانت هناك ثياب «رسمية» لمن يخدمون في المركب كانت اجواء المركب خليطاً من كل شيء..


وكان البحّارة ينزلون في كل مرفأ يصلون اليه الى المدينة بحثاً عن «كسر» وحدتهم وعن النساء اما علي فيقول: «كنت أشعر احياناً بإغراء اللحاق بهم.. لم أكن قد عرفت الجنس أبداً في حياتي بل ولم أحلم به جدياً أبداً ولم أكن متأكداً بأني لدي الرغبة فيه بكل الاحوال لم تكن تلك اللقاءات في المرافئ تتناظر مع فكرتي عن الحب».


بعد ان قادت السفينة «علي» الى العديد من المرافئ والبلدان كان آخرها شنغهاي وطئت أقدامه أرض الباكستان من جديد.. وعندما وصل الى بلدته روالبندي، اتجه مباشرة نحو المتجر الذي كان والده يعمل فيه حارساً ليلياً يقول: «عندما رآني وقف بتثاقل واقترب مني.. لقد نظر لي مدهوشاً لكن انتابني الاحساس بأنه كان فخوراً بي مما ملأني بالسعادة بعد لحظات وحيث خيم الصمت بدأ الوضع يغدو ثقيلاً فاستدرت وذهبت.


ان الكلمات واظهار العواطف لم يكن سبيلنا في التعبير» ويقول في مكان آخر: «اثناء اقامتي في روالبندي فهمت درجة تعلقي ببلادي وحتى لو كنت تعيساً فيها».. ويوم رحيله من جديد حوطته امه بذراعيها وهي تبكي مدمدمة: رافقك الحظ يا ولدي..» كنت انتظر بفارغ الصبر اليوم الذي سيمكنها فيه ان تبكي فرحاً».


كان يمتلك هذه المرة ثمن تذكرة الطائرة الى القاهرة ومنها الى اثينا وفي مطار هذه المدينة .. لكن شرطة مطار هذه المدينة اعادته بعد اسبوع من الحجز الى القاهرة حيث كان قد اتى لأنه لا يملك المئتي دولار المطلوبة للخروج من المطار لكن سلطات مطار القاهرة اعادته بدورها الى اثينا وهكذا قمت بالانتقال اربع مرات بين أثينا والقاهرة لم يأبه احد سوى مضيفة طيران مصرية رقت لحاله وصدقته عندما حكى لها قصته وذات يوم جاءت بصحبة قبطان طائرة سلم عليه قائلاً: اشرح لي قصتك يا علي.


كان ذلك القبطان سويسرياً فاقترح على علي نقله في اليوم التالي الى كراتشي.. قبل العودة من جديد الى الباكستان لكن من اجل انطلاقة اخرى ولم ينس ان يقول للقبطان: «سوف يكون لسويسرا موقع خاص في قلبي دائماً.. وإذا دعتني ذات يوم للحرب من اجلها فلن أتردد في عمل ذلك».. وفي كراتشي اضطر علي الى أن يمد يده في الشارع كي يجمع ثمن بطاقة القطار ـ إلى روالبندي.


وبعد أيام فقط قرر الانطلاق من جديد حسب خطة السير التالية افغانستان ثم ايران ثم تركيا فاليونان. فإلى كابول بالحافلة ومنها إلى اسطنبول بالطائرة. ومن هنا يقول علي: «لم أكن أريد أن اصادف العقبات نفسها التي واجهته المرّة الأولى في أثينا، وكان لابد من الالتفاف على هذه العقبات.. لقد تعرفت على أحد السوريين ورافقته تبعاً لنصيحته إلى بلغاريا ثم إلى يوغسلافيا حيث ان رجال الجمارك لا يراقبون سوى نادراً الحدود. لقد رافقته وأنا سعيد فإنه قد أصبح لدي رفيق طريق.. بعد عدة أيام وصلنا إلى يوغسلافيا. هناك أمضينا الليلة على مقعد بالقرب من محطة القطار...


وكم كانت دهشتي كبيرة في الصباح عندما اكتشفنا بأن احدهم قد سرق حذاء رفيقي.. اذن في الغرب أيضاً يوجد لصوص.. هكذا تبخر حلم آخر».. لكن هذه المرّة تم الوصول إلى اليونان من دون عقبات حيث اتجه علي الى مقر الشركة البحرية التي استخدمته سابقاً ووجد بذلك عملاً مرتباً من جديد.


وذات يوم وصلت السفينة إلى مرفأ «روان» التجاري الفرنسي وهي مدينة يخترقها نهر الصين ليصب في بحر المانش.. هناك غادر علي سفينته ولم يعد اليها.. وانما اتجه مباشرة كي يجد مكانه على ارصفة العاصمة باريس التي تبعد حوالي 130 كيلو متراً عن «روان» وبعد فترة من التسكع والفشل اثر الفشل نصحه احدهم بالذهاب إلى مدينة «ديجون» عاصمة منطقة «اليورغون» والتي وصلها بعد يومين من السفر وهي التي يصلها القطار بساعتين فقط. وفي «ديجون» عرف المرأة للمرّة الاولى..


كانت فرنسية واسمها «انييس» لكنها اخبرته بأن لها صديقاً.. كانت مفاجأته كبيرة وهو الذي كان قد فكر بالزواج منها مباشرة. وقال في داخله: «في فرنسا، يتحد رجل وامرأة ثم يلفظ كل منهما الآخر.. فأين هي العواطف من هذا كله؟».. وكان قراره الفوري هو الابتعاد.. والعودة إلى باريس حيث التقى على ناصية شارع «سان ميشيل » الشهير في شهر يناير من عام 1974 بالرجل الذي غيرَّ مجرى حياته.. كان طالباً ارجنتيني الاصل وكان يبيع صحيفتين بالنداء عليهما في الشوارع.


وهكذا «حسم الأمر.. واصبحت أبيع الصحف» يقول علي في عنوان أحد الفصول الأخيرة من الكتاب واضافة إلى العمل الجديد.. تزوج علي من ابنة عمه الباكستانية «عزيزة» والتي يخصها بفصل كامل يحمل عنوان «لقد حسم الأمر.. وعزيزة في باريس».


ووقفة صغيرة في النهاية عن «علي» وهذا الكتاب.. اذ قبل أيام قليلة رأى علي كاتب هذه السطور الذي يعرفه منذ سنوات.. كان يحمل كتابه وهو ينادي «لقد حسم الأمر، وصدر كتابي» وكان الاهداء: «لقد حسم الأمر.. مع صداقتي».


الكتاب: أضحك العالم.. لكن العالم


يبكيني


الناشر: جان كلود غوزفتش ـ باريس 2005


الصفحات: 280 صفحة من القطع المتوسط



Je fais rire le monde




Mais le monde me fait pleurer




ali akbar




Jean claude gawsewitch- paris 2005




p. 280

0 Comments:

Post a Comment

<< Home